تنظم هذه الأيام حملة لمقاطعة المنتجات الفرنسية ردًا على الإساءة لرسول الله، كما تعتبر مقاطعة الكيان الصهيوني أساسًا في حربنا ضد هذا الاحتلال المجرم، والبعض يسخر ويستهزئ من حملات المقاطعة زاعمًا بأنها لا تؤثر وأننا نحن الأخسرين لأننا أقل تقدمًا علميًا واقتصاديًا من الذين نقاطعهم.
قبل أن نحكم على المقاطعة بالنجاح أو الفشل، نسأل أنفسنا ما هو الهدف منها؟ هل نريد القضاء على الدولة أو الشركة التي نقاطعها؟ ربما يمكن القضاء على شركة صغيرة إذا كانت هنالك حملة مقاطعة ناجحة لكن مقاطعة الدول لم تقضِ على أي دولة، بل حتى الحصار الاقتصادي المشدد الذي فرضته أمريكا على دول مثل كوبا وإيران والسودان ويفرضه الاحتلال على غزة، لم يؤد لانهيار أيً من هذه الدول.
بالتالي من السذاجة الاعتقاد بأننا نريد القضاء على الكيان الصهيوني أو فرنسا من خلال المقاطعة، ولهذا السبب نعتبر المقاطعة أحد الأسلحة التي نواجه بها أعداءنا وليس السلاح الوحيد، ولا يجب الاستهانة بأي من الأسلحة.
وبنفس المنطق فإننا نقاطع الاحتلال بما استطعنا، فإن كنا مجبورين على شراء بعض المواد منه فهذا لا يعني أن لا نقاطعه في المواد الأخرى التي نستطيع إيجاد بديل لها محلي أو أجنبي.
يمكن تلخيص الأهداف العامة للمقاطعة بالآتي:
1- الضغط على دولة أو شركة للتراجع عن موقف سيء، مثل إجبارها على سحب استثماراتها في دولة الاحتلال.
2- إضعاف معنويات العدو وأن يعيش بعقدة نقص ودونية كالتي نلحظها عند الصهاينة فهم يشعرون بشكل دائم بأنهم منبوذون وليسوا من أهل المنطقة، ولا تستهينوا بذلك فالكثير منهم اختاروا الهجرة إلى أمريكا وأوروبا للحياة في دولٍ ترحب بهم.
3- إضعاف الإمكانيات الاقتصادية للعدو بحيث لا يكون قادرًا على التوسع ويبقى في مرحلة الدفاع بدلًا من الهجوم وهذا ما نجح الصهاينة فيه من خلال حصار المقاومة في غزة.
والمقاطعة تكون على عدة مستويات: إما مقاطعة معنوية وإعلامية أو اقتصادية أو مقاطعة تامة، وإذا استطعت الوصول لإقناع أو إجبار الآخرين على مقاطعة عدوك فأنت تصل إلى مرحلة حصاره، ونفس الشيء قد يكون حصارًا إعلاميًا أو اقتصاديًا أو شاملًا.
ولا يشترط تساوي القوة أو التفوق على عدوك لنجاح المقاطعة، فهي سلاح ناعم يهدف للتأثير على وعي الخصم وقناعاته، المهم أن يصل لاستنتاج أن موضوع الصراع والنزاع معه لا يستأهل الثمن الذي يدفعه، وقد يكون ثمنًا قليلًا لكن القضية غير مقنعة له فيتنازل بسرعة، والعكس صحيح فقد يكون الثمن باهظًا لكن القضية يعتبرها مهمة ومصيرية فيصمد، مع ذلك فالمقاطعة تجدي نفعًا في أنها تستنزفه نفسيًا واقتصاديًا وتجعله يعيش في دوامة البحث من أجل الخروج من المقاطعة والحصار.
وأهم نقاط قوة المقاطعة الاقتصادية هي أن "رأس المال جبان" فلست محتاجًا لدفع شركة للإفلاس لكي ترفع الراية البيضاء وتستسلم، بل يكفي أن تتلوث سمعتها إعلاميًا حتى تبدأ في البحث عن طرق لتحاشي الخطر، ولذا تعتبر الشركات التجارية الخاصرة الرخوة لأي بلد، لأنها لا تتحمل المقاطعة وتخاف منها والعامل النفسي حاسم جدًا.
كما تلعب الحاضنة الشعبية دورًا هامًا في نجاح أو فشل المقاطعة، فعندما تقاطع شركة صهيونية أو أمريكية فوجود حاضنة شعبية داعمة للكيان الصهيوني يوفر دعمًا نفسيًا لهذه الشركة ويجعلها أقل تأثرًا بالمقاطعة، والعكس صحيح عندما تقاطع شركة عربية مطبعة فحضانتها الشعبية ستكون سلاحًا قويًا بيد المقاطعة فنراها أسرع في التراجع والخضوع للحملة.
وأخيرًا من الهام جدًا اختيار الأهداف بطريقة ذكية حتى تنجز أهدافك بأقل تكلفة وأسرع وقت ممكن، فالتركيز على شركة أو عدد محدود من الشركات واختيار تلك الشركات التي تتعامل أكثر من غيرها مع الدول العربية، سيدفعها للانهيار أمام حملة المقاطعة وانهيارها سيضعف مناعة الآخرين ويجعلهم أكثر حذرًا، فمقاطعة شركة معينة لا تؤدبها فقط بل تؤدب غيرها.
اتباع هذه التكتيكات مهم جدًا فحملة المقاطعة التي تريد محاربة كل قوى الشر في العالم مرة واحدة لن تنجح أبدًا وستكون مجرد صرخة في البرية وكلمة حق تريح قائلها، أما الاستفراد بأعدائنا وتصنيفهم حسب قدرتهم على مقاومة المقاطعة والبدء بأكثرهم ضعفًا وأقلهم مناعة ليكونوا درسًا لغيرهم، ثم الانتقال للهدف التالي، فهذا سيجعلنا نحقق أهدافنا ولو بالتدريج.
وأخيرًا، يجب ألّا نستعجل حصاد نتائج المقاطعة، لأنه لا يوجد انتصارات بالضربة القاضية خصوصًا في هذه المعارك، ولا ننسى أن المقاطعة وحدها يبقى أثرها محدودًا بدون وسائل الحرب الأخرى الناعمة والخشنة.