في كل يوم من أيام الفلسطينيين وفي كل بيت حكاية وقصة؛ هذه المرة بطلها شهيدٌ حافظ لكتاب الله، ومحفظ في المساجد، وصاحب خلق رفيع وطالب علم.
الشهيد أحمد محمد القرا (23 عاما)، ارتقى أمس الجمعة متأثراً بإصابته في البطن برصاص جنود الاحتلال "الإسرائيلي" خلال مشاركته في الجمعة الـ 68 لمسيرة العودة وكسر الحصار شرق خانيونس جنوبي قطاع غزة.
خرج من المنزل بعد صلاة الجمعة بعد أن ساعد والدته في تنظيف البيت، وتناول برفقة عائلته طعام الغداء، منطلقاً للمشاركة في فعالية مسيرة العودة التي لم يتغيب عنها منذ انطلاقها.
زغاريد وورود
الشاب الثائر، كان يتواجد في منطقة التظاهر بمخيم العودة في خزاعة، ولم يكن يفعل شيئًا عندما باغتته رصاصة قناص "إسرائيلي" غادرة في بطنه وقدمه، انتقل إثرها إلى مستشفى غزة الأوروبي في حالة حرجة، ليعلن نبأ استشهاده في ساعة متأخرة من يوم الجمعة.
وفي منزلهم الواقع ببلدة بني سهيلا شرقي محافظة خانيونس تجهزت الوالدة لاستقبال نجلها على طريقتها الخاصة، حيث بدأت بنثر الورود والرياحين على فراش نجلها الذي وضع وسط المنزل من أجل مراسم الاستقبال.
والدة الشهيد نثرت الورود بانتظار جثمانه الطاهر
وما إن وصل جثمان الشهيد إلى عتبة المنزل؛ حتى انطلقت الزغاريد من حناجر نساء العائلة اللواتي نفذن وصيته التي كان يطلبها من شقيقاته بأن يزغردن له حين يصل شهيداً إلى المنزل، وينثرن الورد على جثمانه.
وكالطائر الذي يحلق في سماء الوطن، خرج أحمد على أكتاف أقرانه وأشقائه لتتناثر بعدها الورود على جثمانه من فوق منازل الحي، في وداع يليق بحفظة كتاب الله وحاملي لواء القرآن.
حافظ القرآن ومحفظه
وداخل المنزل تجلس الوالدة لاستقبال عزاء نجلها أحمد، الذي لم يخرج يوماً إلى مسيرة العودة إلا وقد توقعت أن يعود لها شهيداً، كما تقول الوالدة.
وتصف الوالدة نجلها أحمد بأنه صاحب أخلاق رفيعة وسمت إسلامي قل أن تجده في شباب جيله، مؤكدةً أنه كان حافظاً لكتاب الله، ويعمل محفظاً للقرآن في مسجد الحي القريب من منزلهم.
وبكلمات الصبر والحمد والثناء بدأت الوالدة حديثها عن نجلها أحمد، مشيرةً إلى أنها تلقت نبأ استشهاده بالحمد والاسترجاع والاحتساب.
ووجهت الوالدة رسالة للمقاومة الفلسطينية بأن تثأر لدماء نجلها، وأن لا تنسى دماءه التي سالت على ثرى أرض بلدة خزاعة، مشددة على أنها غير نادمة على ذهاب نجلها لمسيرات العودة.
وتميز الشهيد بعذوبة صوته، فكثيرا ما كان يشدو بالأناشيد محرضا على
المقاومة والمشاركة في مسيرة العودة، حتى مضى فارسا من فرسانها الشهداء.
آخر امتحان .. والشهادة
من جهته وصف طه الرقب صديق الشهيد خلال حديثه لمراسل "المركز الفلسطيني للإعلام" صديقه بالشاب المؤدب والخلوق والحافظ لكتاب الله.
وقال الرقب إن أحمد أنهى قبل أسبوعين آخر امتحان له في المرحلة الجامعية، حيث كان يدرس في كلية التربية بجامعة الأقصى بخانيونس.
وأشار إلى أن أحمد كان يتمنى أن يحصل على الشهادة الجامعية ويشارك زملاءه حفل التخرج، إلا أنه وحسب الرقب فقد حصل على ما هو أعلى وهي الشهادة في سبيل الله.
هكذا ودعت عائلة الشهيد القرا نجلها أحمد!
بدوره أكد والد الشهيد المحتسب أن نجله استشهد في سبيل الدفاع عن وطنه، ولن تذهب دماءه هدراً، مشدداً أن الاحتلال لن ينال من عزيمتهم باغتياله نجلهم.
وذكر أن أحمد أصيب بقدمه في شهر 10 أكتوبر الماضي خلال مشاركته بمسيرة العودة، لكن ذلك لم يردعه عن المشاركة مرة أخرى في الفعاليات.