الرئيسة/تقارير إخبارية
"محاجر" بني نعيم، رافع اقتصادي ودمار بيئي
الخليل - فلسطين نت (خاص)رغم أن مقالع الحجارة تشكل أحد أهم الصناعات في فلسطين، لمساهمتها بشكل كبير في الاقتصاد الوطني، إلا أنها من أكثر الصناعات التي تقام بشكل عشوائي ودون ترخيص.
الأمر الذي يعود بضرر بيئي كبير على الأرض والإنسان، سيما أن أغلب المحاجر تتواجد وسط الأحياء السكنية، وبالقرب من الأراضي الزراعية.
ورغم تميز حجرها على مستوى فلسطين، ومساهمتها في الاقتصاد الفلسطيني، شوّهت المحاجر المنتشرة في بلدة بني نعيم شرق الخليل جمال الطبيعة، وبثت مكاره بيئية وصحية أثرت بشكل كبير على حياة المواطنين، الذين أعربوا عن استيائهم بسبب مخاطرها التي تتزايد مع مرور الزمن، على صعيد البيئة والإنسان.
هل الرحيل هو الحل؟
"هل يعقل وجود مدرسة أطفال وسط محجر؟ هل يعيش الفلسطينيون في العصور الحجرية؟ ولماذا يتواصل الصمت الرسمي المشبوه على هذه الجريمة البيئية والصحية والإنسانية النكراء؟، إنه لعار على وزارات الصحة والبيئة والتربية أن تواصل تجاهل هذه الجريمة الإنسانية التي يندى لها الجبين، لم أستطع الاستمرار بالسكن بالقرب من المحاجر وخوفًا على أولادي، وقمت ببيع منزلي ورحلت"، بهذه الكلمات بدأ سليمان مناصرة حديثه لمراسل "فلسطين نت".
واستطرد المناصرة مؤكدًا بأن الغبار وصوت الآليات كانا يحرمانه من العيش بسلامة، كما أن أطفاله كانوا عرضة للسقوط بالمحجر، الذي يقع بمحاذاة منزله، ويزيد عمقه على 20 مترًا، لافتًا إلى أن بعض السكان يستغلون أصحاب المقالع ماديًا مقابل السكوت عن الأخيرين وعدم تقديم شكاوى ضدهم.
وتابع قائلاً: "تحولت المحاجر إلى حفر عميقة دمرت الطبيعة والبيئة في البلدة، ومقابل مبلغ زهيد من المال يرضخ بعض سكان البلدة المتضررين لأصحاب المحاجر، رغم أنهم يعانون الأمرين نتيجة المخاطر الصحية والبيئية والنفسية التي فاقت الحدود".
المهندس إيهاب أبو رجب وفي حديث له مع مراسلنا، قال: "المحاجر قضت على مساحات واسعة من الأراضي الزراعية، من حيث غياب الطرق المعبدة، وغياب مكب مركزي لمخلفات المصانع، ساهم ذلك في ارتفاع نسبة التصحر، واضمحلال الأراضي الزراعية، ومعاناة المواطنين تزداد ولكن دون جدوى".
وختم أبو رجب: "نناشد المسؤولين ليحدوا من هذا الدمار، فالمزروعات والإنسان نفسه بخطر".
من جانبه، تحدث رئيس بلدية بني نعيم علي طرايرة لمراسلنا، عن الأضرار الناجمة عن المحاجر، منوهًا إلى أن البلدية تعمل من أجل الحد من فوضى انتشارها.
وأشار إلى أنه تم الوقوف بشكل مباشر في وجه هذه المخاطر ومتابعتها في المحاكم، "ونحن على اتصال مباشر مع المواطنين وأصحاب المحاجر للنظر في تداعياتها، وللحد من انتشارها"، وفقًا لقوله.
وأضاف طرايرة: "نسعى للحد من هذه الظاهرة بالتعاون مع وزارات الحكم المحلي والصناعة والزراعة، ولا ضرر من إغلاق بعض المحاجر إن لم يتم استغلالها بالشكل الصحيح، وقد اتخذنا قرارًا بإغلاق جميع المحاجر التي تقع داخل المخطط الهيكلي للبلدة، أما المحاجر خارج المخطط فقد قمنا وبالتنسيق مع الحكم المحلي بترخيصها تطبيقًا للقانون ومبادئه".
واقع مرير
مدير صحة البيئة في الخليل، المهندس ياسر عيسى، أشار إلى استلام العديد من الشكاوى المطالبة بوضع حدٍ لمخاطر المحاجر في المحافظة، خاصةً في بلدة بني نعيم.
فوفقًا لعيسى "تبين أن سكان البلدة يعيشون وسط أكوام من الحجارة المتراكمة في كل مكان، وسحب الغبار كالضباب تملأ السماء، وضجيج الآليات والشاحنات يفسد هدوء البلدة".
وأضاف بالقول: "كما أن رواسب المحاجر تغير لون الأراضي الزراعية التي أخذت تتلاشى وهو ما يسمى بـ "الروبة"، عدا عن افتقار هذه المحاجر لأدنى شروط السلامة العامة الواجب توفرها لإنشاء هذه المشاريع".
ونتيجة لهذه المشاهدات القاتمة، أكد عيسى أن المديرية أصدرت إخطارات بوقف عمل معظم المحاجر، وطالبت أصحابها بإعادة تأهيلها بعد إغلاقها، وقامت الدائرة بإيصال معاناة المواطنين إلى مجلس الوزراء، الذي اصدر قرارًا عام 2010م، يطالب بإغلاق المحاجر في البلدة.
ولغاية كتابة هذا التقرير، يستمر بعضها في العمل، دون الاهتمام بما تسببه من مشاكل بيئية بحق الأرض والإنسان.
أمراض خطيرة
وأفاد مدير الهلال الأحمر في البلدة عبد ربه مناصرة، بأن المحاجر خلفت تلوثًا بيئيًا على صحة المواطنين، و40% من سكان البلدة يعانون من مشاكل صحية، و25% من الأطفال دون سن 5 سنوات يعانون من حساسية صدرية، بسبب تعرضهم لغبار هذه المحاجر، التي أصبحت منتشرة بشكل كبير، عدا عن معاناتهم من ضعف السمع والبصر.
وأضاف خلال حديثه مع مراسلنا: "كبار السن يعانون أيضًا من حساسية صدرية وصعوبة في التنفس، خصوصًا في فصل الخريف والربيع، حيث يتأثرون بنوبات وحالات مزمنة صعبة، أما الحوامل فقد أثر ذلك على حملهم والنتيجة ولادة أطفال مصابين بنقص الأكسجين".
"كما أظهرت عدة دراسات أن المحاجر سببت الكثير من أمراض السرطان التي انتشرت في الآونة الأخيرة في تلك المنطقة"، على حد قوله.
بالإضافة إلى أن هناك نسبة كبيرة من سكان البلدة يعانون من الربو وأمراض الكلية، عدا عن فقد بعض المواطنين لحياتهم نتيجة حوادث وقعت في المحاجر، أو تسببت بها الآليات، كما أدت المحاجر إلى تخريب البنية التحية خاصة في قطاع الشوارع؛ لكثرة عبور الشاحنات والحفارات عليها.
ولعدم وجود شبكة صرف صحي، فإن الناتج عن المحاجر من المياه المحملة بالرواسب تصب في الأراضي المحيطة، أو تجمع على شكل مستنقعات، ما سبب مشكلة بيئية إضافية بحق التربة والنباتات.
وفي حديث خاص لـ "فلسطين نت" مع أحد أصحاب المحاجر، والذي فضّل عدم الكشف عن اسمه، قال: "إن قرار إغلاق المحاجر ليس منصفًا، سيما بعد إنفاق آلاف الشواقل للكشف عن الحجارة التي تعد من أهم الصناعات وتستوعب مئات العمال".
وطالب المواطن الجهات المختصة بوضع شروط صحية وبيئية لضمان سلامة المواطنين والبيئة، مقابل الاستمرار في العمل.
وأضاف: "نحن نعلم أنها تشكل ضررًا على السكان، ولكن ليس هنالك حل بإغلاقها إلا إذا تم الاتفاق مع الجهات المختصة لآلية العمل دون خسارة للجميع".
وفيما يخص المحاجر المتروكة، دعا الجهات المختصة إلى إعادة استصلاحها، خاصة بعد التجارب العملية الناجحة لإعادة تأهيل البعض منها، سواء بتحويلها إلى أرض زراعية، أو باستغلالها كمتنزهات وحدائق وملاعب.
مما تقدم، نلاحظ مدى خطورة الأمر من تدمير وتجريف للأراضي، إلى موت النباتات والأشجار، وإصابة المواطنين بالأمراض، فعلى الرغم من كون هذه الصناعة مهمة وتعود بالنفع والربح على أصحابها ورفع للاقتصاد الفلسطيني، إلا أن أضرارها أكبر وأبشع، واستمرارها بهذه الصورة سيجعل حياة المواطنين أكثر صعوبة، وأراضيها أكثر خرابًا ودمارًا.
متعلقات
آخر الأخبار
{{title}}