الرئيسة/تقارير إخبارية

هل نجح التعليم العالي الفلسطيني في الشموخ أمام التصنيفات العالمية؟

سجود عليوي – فلسطين نت

قيل لنا يوماً إن العلم مفتاحنا الأول نحو العودة إلى فلسطين الأم، قيل لنا أيضاً إن ما بقي للفلسطيني هو العلم فقط ولا شيء سواه، لاحقاً أدركنا أن حلم الفلسطيني بالعودة تماماً كحلمه بالتعليم، كلاهما في طور التشكل ليس إلا..!

وفقاً لإحصاءات وزارة التربية والتعليم العالي الفلسطينية للعام 2014-2015، فهناك 52 مؤسسة تعليم عالي، منقسمة ما بين جامعات تقليدية وكليات جامعية وكليات مجتمعية متوسطة وجامعة تعليم مفتوح، يوجد في الضفة الغربية 33 مؤسسة منها، مقابل 18 مؤسسة في قطاع غزة، وقد بلغ عدد الطلبة الملتحقين فيها في العام نفسه 221,395 طالباً وطالبة، في مختلف مستويات التعليم العالي ومراكزه، بينما بلغ عدد الطلبة الخريجين ما يزيد عن الـ 40 ألف طالب وطالبة.

هذه الأرقام تقدم لنا فكرةً عن العبء الملقى على عاتق مؤسسات التعليم العالي الفلسطينية، ورغم ذلك استطاع عدد منها التكيف مع ظروف الاحتلال، وقلة الدعم المادي والسياسي، والحصول على مراتب متقدمة في التصنيفات العالمية لأفضل الجامعات والمؤسسات التعليمية، يحاجج البعض أن هذه التصنيفات هي دعاية إعلانية لا أكثر، بينما يرى فيها رواد هذه المراكز انعكاساً لأدائها وانسجامها مع روح العلم الحديث.

أبرز التصنيفات المعتمدة عالمياً:

هناك عدد من التصنيفات التي يتم إخضاع الجامعات المسجلة في منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلم والثقافة "اليونسكو" لها، أول التصنيفات التي عُرفت هي تصنيف جامعة شانغهاي جياو تونغ، والذي أُسس لمتابعة الجامعات الصينية؛ بهدف تطوير كفاءتها وتقليل الهوة بينها وبين أفضل الجامعات العالمية، ولاحقاً تم اعتماده كبذرة أولى لتصنيفات عالمية وغربية مستجدة، حيث اعتمد تقسيم نسب مختلفة لمعايير كفاءة الجامعات، بحيث تحصل جودة التعليم على نسبة 10%، وجودة الهيئة التدريسية على 10%، وتضاف 10% في حال حصول أحد طواقمها على جوائز عالمية مثل جائزة نوبل أو الميدالية الدولية للاكتشافات فائقة التميز في الرياضيات، من بين المعايير الاخرى مخرجات البحوث العلمية في الجامعة وتتراوح نسبتها ما بين 10-20% وتعتمد على وجود بحوث منشورة في مجلات علمية عالمية محكمة، أما الـ 10% الاخيرة فتذهب إلى حجم المؤسسة ومدى ملائمة مرافقها لاحتياجات الطلبة وتجاوبها مع التطور العمراني والبيئي.

 إحدى التصنيفات الأخرى هي تصنيف الويبوميتركس Webometrics”، وهو نظام تصنيف يشمل عدد كبير من الجامعات حول العالم، يتجاوز الـ 12 ألف جامعة، يقوم بتصنيف الجامعات طبقاً لمدى استخدام الأبحاث العلمية الخاصة بها على شبكة الإنترنت، ويهدف إلى تحسين وجود مؤسسات التعليم العالي والبحث العلمي على الشبكة، وتشجيع نشر المقالات العلمية المحكمة بطريقة تتيح الوصول المفتوح لها دون قيود.

تصنيف آخر هوكواكاريلي سيموندس Quacquarelli Symondos ، المعروف اختصاراً بـ QS، يعتبر هذا التصنيف الأكثر شهرة بالتوافق مع تصنيف شانغهاي وذلك لقياسه أكثر من 30 ألف جامعة، إضافةً لمتابعته معايير هامة في أداء الجامعات، أبرزها تقييم مستوى التعليم والتدريب الذي تقدمه الجامعة، مراجعة جودة الأبحاث الإنسانية والتطبيقية، متابعة أدوار الخريجين في سوق العمل، إضافةً إلى ربطها بقدراتهم في مراحل تعليمهم الأساسي والعالي، وتحديد موقع الجامعة الدولي من بقية الجامعات، وفي السنوات الأخيرة بدأ يقيس رسوم الجامعة بالمقارنة مع أدائها التعليمي.

وتنقسم النسب في هذا التصنيف إلى 6 عوامل، 40% خاصة بتقييم الأساتذة والعاملين في الجامعات الأخرى لهذه الجامعة "عامل تقييم النظراء"، وفيه يتم استفتاء الباحثين والأساتذة عن أفضل الجامعات، فيما تذهب نسبة 20% إلى نسبة المعلمين إلى الطلبة في الجامعة، و20% لمعدل الأبحاث المنشورة للهيئة التدريسية ومدى استخدامها كمراجع، و10% لآراء سوق العمل عن خريجي الجامعة، و 10% لنسبة الطلبة والأساتذة الأجانب في الجامعة.

هناك أيضاً تصنيف U.S.NEWS يقدمه موقع أمريكي يحمل الإسم نفسه، ويقيم الموقع الجامعات بناءً على سمعتها في مجال البحوث الأكاديمية، ويعتمد التقييمات التخصصية والإقليمية الجغرافية بشكل أكبر من التصنيفات العالمية.

 الجامعات العربية والفلسطينية من هذه التصنيفات:

للوهلة الأولى تبدو الحقيقة صادمةً ومؤلمة، فالجامعات الإسرائيلية تحتل نسباً متقدمة على الصعيد العالمي في هذه التصنيفات، حيث تحتل الجامعة العبرية درجة 67 في مقياس شانغهاي للعام 2015، كما يحتل المعهد التقني "تخنيون" الإسرائيلي المرتبة 77 للعام ذاته، ومعهد وايزمان للعلوم يقع في مرتبة متقدمة من التصنيف، ولا يبدو للجامعات العربية أو الفلسطينية أثر يذكر إلا عندما نتجاوز المرتبة الـ 200 من بين جامعات العالم، فتتقدم جامعة الملك عبد العزيز والملك سعود لتكونا الجامعتين الأولى عربياً، والـ 200 عالمياً، تقف معها في التصنيف ذاته جامعة تل أبيب، ومع ذلك تحصل جامعة الملك عبد العزيز في السعودية على المرتبة السادسة عالمياً بين أكثر 200 جامعة تقدماً في مجال الرياضيات.

أما في مقياس QS فتحتل الجامعة العبرية مرتبةً متقدمة عن الدول العربية ولكنها متأخرة عن الجامعات العالمية كما كانت في مقياس شانغهاي، حيث شغلت المرتبة 148، لعام 2015/2016، ومعهد تخنيون مرتبة 198، يليه مباشرةً جامعة الملك فهد للبترول في المملكة العربية السعودية، وفي المرتبة 237 جامعة الملك سعود، ومن ثم الجامعة الأمريكية في بيروت بالمرتبة 268.

وتتقدم هذه الجامعات الثلاث مقياس سيموندس QS وقد استطاعت جامعة بيرزيت هذا العام أن تحصل على المرتبة الخمسين من بين الجامعات العربية في هذا المقياس، وهو تقدم لافت نظراً لكم المعايير التي يعتمدها المقياس للحكم، تليها الجامعة العربية في القدس (أبو ديس) وجامعة النجاح الوطنية في المرتبة ما بين 61-70، ومن ثم الجامعة الإسلامية في غزة في المرتبة 81-90.

أما في مقياس U.S.NEWS، فقد استطاعت جامعة النجاح الوطنية في مدينة نابلس أن تحصل على المرتبة الـ 80 عربياً، بعدما كانت تحتل المرتبة 12 عربياً عام 2014، تليها الجامعة الإسلامية في غزة التي احتلت المرتبة 86،  وفيما يتعلق بمقياس الويبوميتركس “webometrics” فقد استطاعت جامعة بيرزيت أن تحصل على المرتبة الأولى فلسطيناً والمرتبة 29 قارياً والدرجة 30 عربياً، و بترتيب عالمي مقداره 2151، تليها الجامعة الإسلامية في غزة بترتيب عربي مقداره 59 و  عالمي مقداره 2710، ومن ثم جامعة النجاح الوطنية بترتيب عربي 74 و عالمي مقداره 3090.

عوائق في وجه التعليم العالي في فلسطين:

ورغم تقدم المستوى التعليمي إلى أنه يعاني من مشاكل عديدة أبرزها غياب الرؤية والاستراتيجية الثابتة لتطويره، وتأثره بالأوضاع السياسية في الضفة الغربية وقطاع غزة، وارتفاع الرسوم الدراسية بشكل كبير، وعدم الانسجام ما بين أعداد الطلبة وتجهيزات الجامعة أو عدد طواقمها التدريسية، وعدم تكيف التخصصات التعليمية مع سوق العمل أو توفير التدريب والتأهيل الكافي له، وضعف مستويات البحث العلمي أو حتى غياب الأسس المتينة لها، أضف إلى ذلك ضبابية القوانين الداخلية والخارجية التي تحكم عمل وإدارة الجامعة، أو علاقتها بالطلبة، الأمر الذي يرتبط بضعف التمويل الحكومي وتأخره وغيابه في كثير من الأحيان.

آراء الباحثين والمتابعين:

من جانبه قال ماجد العاروري، محاضر في عدة جامعات فلسطينية والخبير في الإعلام وحقوق الإنسان أنه من خلال متابعته لواقع الجامعات الفلسطينية فهناك مهمتان أساسيتان للمؤسسة الجامعية، الأولى بحثية والثانية مجتمعية، ومن خلال متابعته لغالبية الجامعات في مجال البحث العلمي فإنه يبدو واضحاً أنها لا تقوم بدعم البحث العلمي، وأن الأبحاث التي تصدر عنها هي إنهاء لمتطلبات دراسية أكثر من كونها إضافة علمية.

أما بخصوص الدور المجتمعي للجامعات وخدمتها للمجتمع المحيط فهو في تراجع مستمر، بل لم يعد مكاناً للتبادل الثقافي، ونوه العاروري إلا أن الجامعات تعتبر أن وظيفتها الأولى هي التعليم والتدريس وتقديم المعلومات، مع أن المعلومات موجودة في كل مكان ومن السهل الوصول لها، بينما من الصعب الخروج بنتاج علمي حقيقي.

واعتبر العاروري من خلال إشرافه على مسابقات بحثية لطلبة الحقوق والإعلام، ومن خلال عمله في تدريس بعض المساقات الأكاديمية أن الواقع لا يعكس أبداً نتائج التصنيفات، مؤكداً. أن هناك حاجة حقيقية لمراجعة سياسة الجامعات وآليات تطوير الطالب فيها، وربط الأبحاث العلمية بالمجتمع الحيوي.

من جانبه اعتبر المحاضر السابق في جامعة الأزهر بقطاع غزة وعميد كلية الآداب فيها، إبراهيم أبراش أن التصنيفات الأكاديمية بحاجة لمزيد من الإنصاف ومراعاة الفوارق بين الجامعات التي تنشأ في بيئة مستقلة وتلك التي تتحدى الاحتلال متواصلة العطاء والاستمرار، مشدداً أن الخلل في بعض المعايير لا يعود بالضرورة إلى الجامعة بقدر ما يرتبط بمعيقات الاحتلال، فمن غير اليسير استقدام هيئة تدريسية أجنبية أو طلبة أجانب في ظل الظروف الفلسطينية الصعبة، ورغم ذلك فالنتائج تستحق الفخر والتقدير.

وأشاد البروفيسور في مقال له بنتائج تصنيف الـ QS، مؤكداً أن هذه النتائج ما كانت لتحصدها جامعات أجنبية لو حوصرت في نفس ظروف الجامعات الفلسطينية، ونوه المحاضر إلى أن النتائج فرصة لإعادة النظر بسياسات الجامعات تجاه الطلبة وتجاه الفصل بين العمل السياسي والأكاديمي والالتزام بالشفافية في توظيف الهيئة التدريسية وتحديد الجهة القانونية والرسمية المخولة بمتابعة الجامعات بشكل صارم وممنهج.

وبغض النظر عن دقة التصنيفات ومدى انسجامها مع الجوانب العلمية أو التجارية فلا شك أنها بادرة طيبة لتسليط الضوء على واقع التعليم العالي في فلسطين ومحاولة اعتباره مفتاحاً حقيقياً للعودة ودرباً مجمعاً عليه نحو التحرر، في الوقت الذي يختلف فيه الفلسطينيون على كل درب ومفتاحٍ وبوصلة ..وتخضع نقاشاتهم لتصنيفات بلا مصنفات ولمعايير خرجت عن طور قضيتهم الأولى.

متعلقات


آخر الأخبار

جميع الحقوق محفوظة ©2017 فلسطين.نت